الآنَ أجنحتي تطيرُ حرّة | شعر

الشاعرة الشهيدة هبة أبو ندى (1991-2023).

 

ارتقت الشاعرة والقاصّة الفلسطينيّة هبة كمال أبو ندى (1991-2023) شهيدةً في حرب الإبادة والتهجير الّتي يشنّها الاستعمار الإسرائيليّ منذ عمليّة «طوفان الأقصى» على قطاع غزّة، يوم 20 تشرين الأوّل (أكتوبر) 2023،

ندى من قرية بيت جرجا المُهَجَّرَة خلال النكبة، تقيم في قطاع غزّة، وهي من مواليد مكّة في المملكة العربيّة السعوديّة.

تحمل هبة شهادة البكالوريوس في مجال الكيمياء الحيويّة والماجستير في التغذية العلاجيّة من «جامعة الأزهر»، ودبلومًا في التأهيل التربويّ من «الجامعة الإسلاميّة»، وكانت تعمل في «مركز رُسُل» في قسم مختصّ بالأطفال الأذكياء والمبدعين في مجال العلوم.

حصلت هبة على المركز الثاني في فئة الرواية ضمن الدورة العشرين «لمسابقة الشارقة للإبداع العربيّ»، الّتي تنظّمها «دائرة الثقافة والإعلام» في حكومة الشارقة سنويًّا، عن روايتها «الأكسجين ليس للموتى»، والّتي تناول فيها صورة الإنسان العربيّ في زمن الثورات العربّية.

 

ننشر في فُسْحَة- ثقافيّة فلسطينيّة قصيدتين للشهيدة إكرامًا لروحها.

 


 

إِنْ كنتَ تحسبُني ذكرتُكَ

لَوْ لمرّة

فلقدْ نسيتُكَ في القصيدةِ

ألفَ مرّة


في المقطعِ الصوتيِّ

للصمتِ الطويلِ

وحيثُ لا تَجِدُ الحواسُّ

فمًا ونظرة


وهناكَ في كوخِ الغيابِ

على شُعَيْراتِ

الحصيرِ المُقْشَعِرَّة
 

في غرفةِ النسيانِ

حيثُ الشمسُ لا تدنو

إلى صدأِ الأسرّة


وعلى النواعيرِ المقامةِ

فوقَ أنهارِ التلاشي

المستمرّة


وكأنّهم مسحوا بساتينَ

النخيلِ وما تبقّى في

الغياهبِ روحُ تمرة


قدْ مرَّ طوفانُ الأسامي

تحتَ أقلامي ولَمْ تَعْلَقْ

بِهِ في شبهِ

قطرة


بزغتْ مراعي الشوقِ

لَمْ تومِضْ لثانيةٍ

ولَمْ يصهلْ عليْكَ

خيالُ مُهْرَة


أطوي دروبَ الغائبينَ

ولا أفتّشُ عنكَ فيها

لَوْ كَعَثْرَة


في شارعِ التَّحْنانِ، أبدًا

لا تمدُّ الذكرياتُ يدًا

لماءٍ أو لكسرة


خبزُ الكلامِ هناكَ أمسى

يابسًا

والحبُّ في غمّيضةِ الذكرى

تَعُدُّ لَهُ لعشرة


قشّرتُ ذاكرتي

وسرتُ أحيكُ مِنَ البدايةِ

للفؤادِ الطفلِ

سترة


وسلختُ حنّاءَ الحنينِ

فلي يدانِ ستنجبانِ

الضوءَ بكرَة


مِنْ بعدِ ما نضجتْ جروحي

دهشةً، والوردُ مثلُ الجمرِ عندي

محضُ حُمْرَة


مِنْ بعدِ ما اكتملتْ مقاساتي

بِها، لا أرتدي حلمًا صغيرًا

بينما روحي المجرّة


مِنْ بعدِ ما فهمتْ مخيّلتي

قداسةَ نفسِها

لَنْ تستطيعَ بها الحلولَ

ولو كفكرة
 

لا أصنعُ الحلوى لأنسى

فالطعامُ المرُّ أقوى

والقصيدةُ

بَعْدُ

مُرَّة
 

هذا لأنَّ نبوءَتي قالتْ: سأدرِكُ

حكمةَ الصلصالِ،

لَنْ أبكي لجرّة


ظهري - وإنّي لا أقولُ كسرتَهُ -

لكنّ شيئًا مِنْ خلالِكَ

شاءَ كسرَه


الآنَ أجنحتي الّتي قَدْ آلمتْني

في سماءِ العنفوانِ

تطيرُ حرّة

 

***

 

نشرت الشاعرة قصيدتها الآتية يوم 10 تشرين الأوّل (أكتوبر) 2023:

 

(1)

أعيذُكِ

في الفروضِ

والاستخارة

وأرقي كلَّ مأذنةٍ

وحارة

 

مِنَ الصاروخِ لحظةَ

كانَ أمرًا

مِنَ الجينرالِ

حتّى صارَ غارة

 

أعيذُكِ، والصغارُ

قبيلَ يهوي

تغيّرُ بابتسامتِها

مسارَه

(2)

أعيذُكِ، والصغارُ هنا

نيامٌ

كما نامَ الفراخُ بحضنِ

عشِّ

 

ولا يمشونَ للأحلامِ ليلًا

لأنَّ الموتَ

نحوَ البيتِ

يمشي


ودمعُ الأمّهاتِ غدا يمامًا

ليتبعَهُمْ بِهِ

في كلِّ نعشِ

 

(3)

أعيذُ أبَ الصغارِ وبعدَ قصفٍ

يشدُّ البرجَ حتّى لا يميلا

يقولُ: للحظِة الموتِ

اِرْحَميني

"فماذا لو تأخّرتِ

قليلا؟"


يقولُ: "لأجلِهِمْ أحببتُ

عمري،

هبيهِمْ مثلَهُمْ

موتًا جميلا".


(4)

أعيذُكِ أنْ تصابي

أو تموتي

بعزِّ حصارِنا

وببطنِ حوتِ


شوارعُنا تسبّحُ كلَّ

قصفٍ

وتدعو للمساجدِ

والبيوتِ


فحينَ القصفُ يبدأُ

مِنْ شمالٍ

ستبدأً مِنْ جنوبٍ

بالقنوتِ


(5)

أعيذُكِ أنْ تصابي

أو تعاني

فقدْ حوّطتُ بالسبعِ

المثاني


مِنَ الفسفورِ طعمَ البرتقالِ

وألوانَ السحابِ

مِنَ الدخانِ

 

أعيذُكِ

إنَّ مَنْ عَشِقا وماتا

سينقشعُ الغبارُ

ويضحكانِ